فصل: مقتل مؤنس وبليق وابنه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل مؤنس وبليق وابنه.

لما رجع محمد بن ياقوت من الأهواز واستخلصه القاهر واختصه لخلواته وشوراه وكانت بينه وبين الوزير ابن علي بن مقلة عداوة فاستوحش لذلك ودس إلى مؤنس أن محمد بن ياقوت يسعى به عند القاهر وأن عيسى الطبيب سفيره في ذلك فبعث مؤنس علي بن بليق لإحضار عيسى وتقدم علي بن بليق بالإحتياط على القاهر فوكل به أحمد بن زيرك وضيق على القاهر وكشف وجوه النساء المختلفات إلى القصر خشية إيصالهم الرقاع إلى القاهر حتى كشفت أواني الطعام ونقل بليق المحابيس من دار الخلافة إلى داره وفيهم أم المقتدر فأكرمها علي بن بليق وأنزلهم عند أمه فماتت في جمادى من سنة إحدى وعشرين وعلم القاهر أن ذلك من مؤنس وابن مقلة فشرع في التدبير عليهم وكان طريف السبكرى ونشرى من خدم مؤنس قد استوحشا من مؤنس لتقدم بليق وابنه عليهما وكان اعتماد مؤنس على الساجية وقد جاؤا معه من الموصل ولم يوف لهم فاستوحشوا لذلك فداخلهم القاهر جميعا وأغراهم بمؤنس وبليق وبعث إلى أبي جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله وكان مختصا بابن مقلة وصاحب رأيه فوعده بالوزارة فكان يطالعه بالأخبار وشعر ابن مقلة بذلك فأبلغوا إلى مؤنس وبليق وأجمعوا على خلع القاهر واتفق بليق وابنه علي وابن مقلة والحسن بن هرون على البيعة لأبي أحمد بن المكتفي فبايعوه وحلفوا له وأطلعوا مؤنسا على ذلك فأشار بالمهل وتأنيس القاهر حتى يعوفوا من واطأه من القواد والساجية والحجرية فأبوا وهونوا عليه الأمر في استعجال خلفه فأذن لهم فأشاعوا أن أبا طاهر القرمطي ورد الكوفة وندبوا علي بن بليق للمسير إليه ليدخل للوداع ويقبض على القاهر وابن مقلة كان نائما فلما استقيظ أعاد الكتاب إلى القاهر فاستراب ثم جاءه طريف السيكري غلام مؤنس في زي إمرأة مستنصحا فأحضره وأطلعه على تدبيرهم وبيعتهم لأبي أحمد بن المكتفي فأخذ القاهر حذره وأكمن الساجية في دهاليز القصر وممراته وجاء علي بن بليق في خف من أصحابه واستأذن فلم يؤذن له وكان ذا خمار فغضب وأفحش في القول فأخرج الساجية في السلاح وشتموه وردوه وفر عنه أصحابه وألقي بنفسه في الطيار وعبر إلى الجانب الغربي واختفى الوزير ابن مقلة والحسن بن هرون وركب طريف إلى دار القاهر فأنكر بليق ما جرى لابنه وشتم الساجية وقال: لابد أن أستعدي الخليفة عليهم وجاء إلى القاهر ومعه قواد مؤنس فلم يأذن له وقبض عليه وحبسه وعلى أحمد بن زيرك صاحب الشرطة وجاء العسكر منكرين لذلك فاسترضاهم ووعدهم بالزيارة وبإطلاق هؤلاء المحبوسين فافترقوا وبعث إلى مؤنس بالحضور عنده ليطالعه برأيه فأبى فعزله وولى طريف السيكرى مكانه وأعطاه خاتمه وقال: قد فوضت إلى ابني عبد الصمد ما كان المقتدر فوضه إلى ابنه محمد وقلدتك خلافته ورياسة الجيش وإمارة الأمراء وبيوت الأموال كما كان مؤنس وأمض إليه وأحمله إلى دار الخلافة مرفها عليه لئلا يجتمع إليه أهل الشر ويفسد ما بيننا وبينه فسار طريف إلى مؤنس وأخبره بأمان القاهر له ولأصحابه وحمله على الحضور عنده وهون عليه أمره وأن القاهر لا يقدر على مكروهة فركب وحضر فقبض عليه القاهر وحبسه قبل أن يراه وندم طريف على ما فعل واستوحش واستوزر القاهر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله ووكل بدور مؤنس وبليق وابنه علي وابن مقلة وابن زيرك وابن هرون ونقل ما فيها وأحرقت دار ابن مقلة وجاء محمد بن ياقوت وقام بالحجبة فتنكر له طريف السيكري والساجية فاختفى ولحق بابنه بفارس وكتب إليه القاهر بالعتب على ذلك وولاه الأهواز وكان الذي دعا طريفا السيكري إلى الإنحراف عن مؤنس وبليق أن مؤنسا رفع رتبه بليق وابنه عليه بعد أن كانا يخدمانه فأهملا جانبه ثم اعتزم بليق على أن يوليه مصر وفاوض في ذلك الوزير ابن مقلة فوافق عليه ثم أراد علي بن بليق عمل مصر لنفسه ومنع من إرسال طريف فتربص بهم وأما الساجية فكانوا مع مؤنس بالموصل وكان يعدهم ويمنيهم ولما ولي القاهر واستبد بأمره لم يف لهم وكان من أعيانهم الخادم صندل وكان له بدار القاهر خادم اسمه مؤتمن باعه واتصل بالقاهر قبل الخلافة فاستخلفه فلما شرع في التدبير على مؤنس وبليق بعث مؤنسا هذا إلى صندل يمت إليه تقديمه ويدخله في أمر القاهر وإزالة الحجر عنه فقصد إلى صندل وزوجته وتلطف ووصف القاهر بما شاء من محاسن الأخلاق وحمل زوجته على الدخول إلى دار القاهر حتىشافهها بما أراد أبلاغه إلى صندل وداخل صندل في ذلك سيما من قواد الساجية واتفقوا على مداخلة طريف السيكرى في ذلك لعلمهم باستيحاشه من مؤنس فأجابهم على شريطة الإبقاء على مؤنس وبليق وابنه وأن لا يزال مؤنس من مرتبته وتحالفوا على ذلك من الجانبين وطلب طريف عهد القاهر بخطه فكتب وزاد فيه أنه يصلي بالناس ويخطب لهم ويحج بهم ويغزو معهم ويتئد لكشف المظالم وغير ذلك من حسن السيرة وكان جماعة من الحجرية قد أبعدهم ابن بليق وأدال منهم بأصحابه فداخلهم طريف في أمر القاهر فأجابوه ونمي الخبر بذلك إلى ابن مقلة وإلى بليق وأرادوا القبض على قواد الساجية والحجرية ثم خشوا الفتنة ودبروا على القاهر فلم يصلوا إليه لاحتجابه عنهم بالمرض فوضعوا أخبار القرامطة كما قدمناه ولما قبض القاهر على مؤنس ولى الحجابة سلامة الطولوني وعلى الشرطة أحمد بن خاقان واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله مكان ابن مقلة وأمر بالنداء على المتسترين والوعيد لمن أخفى وطلب أبا أحمد بن المكتفي فظفر به وبنى عليه حائطا فمات ثم ظفر بعلي فقتله ثم شغب الجند في شعبان ومعهم أصحاب مؤنس وثاروا ونادوا بشعاره وطلبوا إطلاقه وأحرقوا روشن دار الوزير أبي جعفر فعمد القاهر إلى بليق في محبسه وأمر به فذبح وحمل الرأسين إلى مؤنس فلما رآهما مؤنس استرجع ولعن قاتلهما فأمر به فذبح وطيف بالرؤوس ثم أودعت بالخزانة وقيل إن قتل علي بن بليق تأخر عن قتل أبيه ومؤنس لأنه كان مختفيا فلما ظفر به بعدهما قتله ثم بعث القاهر إلى أبي يعقوب إسحق بن إسمعيل اليوصحي فأخذ من محبس الوزير محمد بن القاسم وحبسه وارتاب الناس من شدة القاهر وندم الساجية والحجرية على مداخلته في ذلك الأمر ثم قبض القاهر على وزيره أبي جعفر وأولاده وأخيه عبيد الله وخدمة لثلاثة أشهر ونصف من ولايته ومات لثمان عشرة ليلة من حبسه واستوزر مكانه أبا العباس أحمد بن عبيد الله بن سليمان الحصيبي ثم استبد القاهر على طريف السيكري واستخف به فخافه وتنكر ثم أحضره بعد أن قبض على الوزير أبي جعفر فقبض عليه وأودعه السجن ألى أن خلع القاهر.